بنو إسرائيل فى مصر
جاء بنو إسرائيل إلي مصر منذ عهد نبي الله يوسف عليه السلام فهم إخوته الذين عاشوا فى مصر وأنجبوا ذرية كبيرة وكثر أبناؤهم وأحفادهم ولكنهم تركوا ما كان عليه أجدادهم
من التقوي والصلاح وأكثروا الفساد والفجور فغضب عليهم فرعون مصر فأخذ منهم الأراضي التي امتلكوها واستعملهم فى الأعمال الحقيرة وجعلهم عبيداً وجواري عند المصريين
فكان المصريون يسومونهم سوء العذاب ويستعبدونهم ويعاملونهم بسخرية واحتقار ..
ثم رأي فرعون رؤيا أفزعته وهي أن ناراً جاءت من ناحية بيت المقدس وحرقت مصر ففسر له الكهنة الرؤيا بأنه سيولد فى بني إسرائيل غلام يكون هلاك فرعون وضياع ملكه علي
يديه .. فأمر بقتل كل ذكر يولد فى بني إسرائيل ثم تراجع عن القرار بعد أن قل ذكور بني إسرائيل .. فأمر أن يقتلوا عاماً ويتركوا عاماً فولد هارون عليه السلام فى عام
المسامحة .. بينما ولد موسي عليه السلام فى عام القتل .. فخافت عليه أمه فوضعته فى صندوق وألقته فى النهر .. فحمله النهر إلي قصر فرعون .. فأخذته
السيدة آسية زوجة فرعون .. واعتنت به .. ولكنها لم تجد له مرضعة فدلتهم أخته علي من ترضعه فجاءت أمه وأرضعته دون أن يعرفها أحد وتربي موسي بعد سنين
الرضاعة فى قصر فرعون مع السيدة آسية حتي صار شاباً قوياً و ذات يوم رأي موسي رجلين يتشاجران رجل من بني إسرائيل وآخر مصري فاستغاث به الإسرائيلي فوكز موسي
عليه السلام المصري ، فوقع فمات .. فاستغفر موسي ربه وندم علي هذا القتل الخطأ وعرف المصريون أن موسي هو الذي فعل ذلك فأرادوا أن يمسكوه ليعاقبوه ففر موسي
عليه السلام إلي مدين .. وهناك وجد فتاتين تريدان أن تسقيا أغنامهما .. فسقي لهما ..فأكرمه والد الفتاتين وزوجه إحداهما وظل موسي عنده عشر سنوات ثم خرج
بأهله من مدين إلي مصر وأثناء الطريق نزل عليه الوحي عند جبل الطور .. وجعله الله عز وجل نبياً ورسولاً إلي بني إسرائيل .. وجعل معه أخاه هارون نبياً .. فعاد
موسي إلي مصر .. وذهب هو وهارون إلي فرعون ، ودعاه إلي الله وطلبا منه ان يترك بني إسرائيل .. ولكن فرعون رفض أن يستجيب وراح يحارب موسي عليه السلام
وزاد فى تعذيب بني إسرائيل واستعبادهم ..
هلاك الظالمين
لم يؤمن فرعون برسالة كليم الله موسي عليه السلام ولم يقتنع بالمعجزات التي معه ، فعندما رأي عصا موسي تتحول ثعباناً ويده تخرج بيضاء للناظرين ادعي أن موسي ساحر ،
وأحضر السحرة ، فجاء السحرة بالعصي والحبال وألقوها فسحروا أعين الناس فألقي موسي عصاه فابتلعت كل العصي والحبال فآمن السحرة كلهم .. فعذبهم فرعون ،
وصلبهم وقتلهم وأكثر من تعذيب كل من آمن من بني إسرائيل فدعا موسي عليه السلام علي فرعون وقومه فأرسل الله عز وجل عليهم الجراد والقمل والضفادع وجعل ماءهم دماً
وماتت الزروع والمواشي وأرسل الله عز وجل عليهم طوفاناً أغرق بيوتهم وقصورهم ورغم ذلك لم يؤمن فرعون وقومه .. وادعي فرعون الألوهية ، وقال : أنا ربكم الأعلي
فأمر الله عز وجل موسي عليه السلام أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً من مصر فجمع موسي عليه السلام بني إسرائيل واستعدوا للخروج من مصر ، دون أن يشعر أحد ، فحمل بنو
إسرائيل أمتعتهم وما استطاعوا جمعه من الحلي والجواهر من المصرين وأسرعوا فى سيرهم خوفاً من فرعون وجنوده واتجهوا إلي الصحراء الشرقية نحو البحر الأحمر ..
وفى الصباح علم فرعون فاشتد غيظه وجمع جنوده وخرج بهم خلف بني إسرائيل فلما رأي بنو إسرائيل فرعون يقترب منهم خافوا خوفاً شديداً وقالوا : ياموسي لقد خدعتنا لقد
تسببت فى هلاكنا أخرجتنا من مصر وزعمت أنك ستنقذنا من فرعون وهاهو فرعون يلحق بنا .. إِنَّا لَمُدْرَكُونَ .. الشعراء 61 .. فقال موسي :قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ .. الشعراء 62 .
وراح يأمر قومه بالصبر والثقة بالله ولكنهم كانوا يزدادون خوفاً كلما اقترب منهم فرعون فجاء الأمر من الله لموسي أن يضرب بعصاه البحر ففعل فانشق فى البحر طريقاً يابساً
فعبر بنو إسرائيل فلما وصل فرعون ظن الطريق ممهداً فسار خلفهم فلما كان وسط البحر أمر الله عز وجل الماء أن يرجع كما كان فعاد البحر مرة ثانية وغرق فرعون وجنوده
واهلك الله عز وجل الظالمين .. ونجي الله موسي ومن خرج معه من بني إسرائيل .
الجهل الكبير
بعدما أغرق الله فرعون .. كان بنو إسرائيل قد وصلوا الشاطئ الآخر وقد فرحوا فرحاً كبيراً وحمدوا الله أن نجاهم من العذاب والاضطهاد وأهلك فرعون وجنوده
وسار بنو إسرائيل مع موسي عليه السلام فى الصحراء متجهين إلي جبل الطور الذي كلم الله عز وجل موسي عنده أول مرة .. وفى هذه الصحراء لم يجد بنو إسرائيل ماء ولا
نباتاً ولا طعاماً وقد جاعوا وعطشوا فطلبوا من موسي أن يحضر لهم ماء وقالوا : ياموسي أين الماء أخرجتنا من مصر لتهلكنا عطشاً فى هذه الصحراء .. فدعا موسي
عليه السلام ربه أن يرزقهم الماء والطعام فأوحي الله عز وجل إلي موسي ان يضرب بعصاه حجراً أمامهم فى الصحراء ، فضربه موسي بالعصا فانفجر منه ماء عذب سلسبيل خرج
لهم من الحجر اثنا عشر عيناً بعدد قبائل بني إسرائيل آنذاك .. فشربوا من ذلك الماء .. كما أرسل الله إليهم طعاماً عظيماً حيث أنزل عليهم طيور السمان وعسلاً حلواً من
السماء يأكلون منه دون تعب أو مشقة قال تعالي : وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. البقرة..57
وقال تعالي : وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ... البقرة 60
فاكل بنو إسرائيل وشربوا .. ولكنهم بعد قليل سئموا من ذلك وطلبوا أن يأكلوا عدساً وفولاً وبصلاً وثوماً فتعجب موسي من أمرهم وأخبرهم أن ذلك يكون فى الأرض فليذهبوا
إلي أي مكان يزرعونه ليتحقق لهم ماطلبوا ثم مر بنو إسرائيل فى طريقهم علي جماعة مشركة حيث رأوا بعض الناس يعبدون أصناماً لهم فلم ينكروا عليهم مايفعلون بل قالوا :
ياموسي نريد أن يكون لنا إله كما لهؤلاء آلهة فتعجب موسي من أمرهم واندهش من شدة جهلهم وحمقهم ، وغضب وقال : يابني إسرائيل أنتم قوم تجهلون كيف تريدون أن أجعل لكم
صنماً تعبدونه وقد جئتكم لتعبدوا الله وحده وأخذ موسي عليه السلام يوبخهم ويذكرهم بنعم الله الكثيرة عليهم كما أوضح لهم حقيقة شرك وكفر هؤلاء فقال :
إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ .. الأعراف 139
الموعد المرتقب
أوحي الله عز وجل إلي موسي عليه السلام أن يأتيه عند جبل الطور ليكلمه فسعد موسي بذلك سعادة كبيرة حيث كان يفرح دائماً بلقاء الله عز وجل وراح موسي عليه السلام يترقب
ذلك الموعد ويهيئ نفسه لهذا الأمر العظيم .. فأكثر من العبادة والتفكر فى ملكوت الله عز وجل وقدرته .. وجمع قومه وقال لهم : يابني إسرائيل إني ذاهب إلي ربي
أتعبد وحدي علي جبل الطور أصلي لله وأناجيه .. فقد وعدني الله أن يعطيني ألواحاً فيها هدي ونور ، وفيها الحلال الذي يحب أن نفعله والحرام الذي يأمرنا أن نبتعد عنه .
ثم تقدم موسي عليه السلام إلي أخيه هارون وأوصاه ببني إسرائيل خيراً وطلب منه أن يحافظ علي إيمانهم وألا يحدث بينهم شيئاً يشتت جمعهم أو يفرق شملهم ، وقال له : ياهارون
إني ذاهب إلي ربي وأنت خليفتي فى بني إسرائيل لابد أن ترعاهم وتلاحظهم وتذكرهم دائماً بنعم الله ..
ثم ترك موسي عليه السلام بني إسرائيل واتجه إلي جبل الطور وقلبه فرح سعيد فهو ذاهب إلي لقاء الله تبارك وتعالي ..
غواية ..وضلال
بعدما ذهب موسي عليه السلام للقاء الله عز وجل قام رجل من بني إسرائيل اسمه السامري لبعض بني إسرائيل : مارأيكم أن نصنع لنا إلهاً نعبده ..؟
فقالوا : فكرة عظيمة .. فقال السامري : وسيكون إلهنا غالياً جداً سنصنعه من الذهب الخالص ذلك الذهب الذي خرجنا به من مصر ..
فاستحسنوا الفكرة وأشعلوا ناراً ثم جمعوا الذهب الذي معهم وألقوه في النار حتي انصهر وذاب ثم قام السامري يصنع من ذلك الذهب المذاب تمثالاً علي صورة عجل .. فصنع
رأسه ثم عنقه ثم جسمه ثم أرجله وأخذ يسويه ويعدل فيه حتي صنع تمثالاً مجوفاً علي صورة عجل .. ثم وجهه فى اتجاه الريح .. بحيث إذا هبت الريح خرج منه صوت
يشبه صوت العجل الحقيقي .. ثم قام السامري بغسله من التراب والغبار .. فلمع التمثال وانعكست عليه أشعة الشمس ، فزاد لمعانه وفرح به بنو إسرائيل وفرح السامري
وقال لهم : يابني اسرائيل هذا هو إلهكم ، وهو إله موسي ولكن موسي نسيه هنا دون أن يدري أو يعلم .. فالتف جماعة من بني إسرائيل حول العجل يصفقون ويهللون وينحون
له ويركعون ويسجدون ويتقربون إليه فى خشوع وخضوع ..
وحاول هارون عليه السلام وبعض المؤمنين معه من بني إسرائيل منع الناس عن عبادة ذلك العجل ..وأخذ هارون عليه السلام يبين لهم أن هذا صنم لا ينفع ولا يضر .. وأن
إلههم هو الله الواحد الأحد ..وأخذ يذكرهم بنعم الله عليهم ، وبالمعجزات التي أيدهم الله بها وأعطاهم إياها .. ويأمرهم أن يثبتوا علي عقيدة التوحيد وألا يشركوا بالله شيئاً
وأن مافعله السامري فتنة يجب أن يبتعدوا عنها ، وقال لهم : وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ..طه 90
ولكن الكثيرين من بني إسرائيل أصروا علي عبادة العجل وسخروا من هارون ، بل وطلب بعضهم من هارون أن يعبده معهم وهددوا هارون بالقتل إن لم يتركهم يعبدون العجل
وقالوا فى تبجح : سنظل نعبد هذا العجل حتي يرجع إلينا موسي . فلم يستطع هارون أن يفعل معهم شيئاً ، وخشي أن يفرق بينهم فسكت واعتزلهم هو ومن معه من المؤمنين
وتركوهم فى غوايتهم وضلالهم ..
موسي فى جبل الطور
فى جبل الطور كلم الله عز وجل موسي عليه السلام وطلب موسي أن ينظر إلي الله ، فأخبره الله عز وجل بأنه لن يراه وأمره أن ينظر إلي الجبل .. فنظر .. فإذا الجبل قد
تزلزل زلزالاً عنيفاً فارتعد موسي ووقع مغشياً عليه وبقي مدة طويلة ثم ناداه الله عز وجل فأفاق واستغفر الله عز وجل قال تعالي :
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ .. الأعراف 143 .
ثم تلقي موسي عليه السلام التشريعات الإلهية التي سيسير عليها بنو إسرائيل فى حياتهم وكتبها فى ألواح .
وفى نهاية المناجاة أخبر الله عز وجل موسي عليه السلام بقصة عجل السامري وأخبره أن السامري قد صنع عجلاً من الذهب لبني إسرائيل وأشاع فيهم أنه إله فعبدوه من دون الله
وبعد أن انتهت المناجاة بين الله عز وجل وكليمه موسي عليه السلام أخذ موسي الألواح التي فيها التشريعات الإلهية وعاد إلي بني إسرائيل وهو غضبان وقد حزن أشد الحزن لما
فعله قومه فلما وصل إليهم ألقي الألواح علي الأرض من شدة الغضب وقال لقومه : بئسما خلفتموني من بعدي اغيب عنكم .. أكلم الله والله يكلمني .. ويعطيني الألواح
من أجلكم .. ثم تتركونه وتعبدون العجل ، ألم يعدكم الله بالنصر ودخول الأرض المقدسة ؟ أطال عليكم العهد أم صنعتم ذلك لينزل الله غضبه وعقابه عليكم ..؟
فأخبروه أن السامري هو الذي غواهم وضللهم ..
لوم.. وعتاب
اشتد غضب موسي عليه السلام .. واتجه إلي أخيه هارون عليه السلام وقبض علي لحيته بإحدي يديه .. وأمسك رأسه باليد الأخري وأخذ يهزه هزاً عنيفاً وقال له :
ياهارون لقد ضللت السبيل كيف تتركهم يعبدون العجل .. كيف تتركهم يسجدون ويركعون لصنم لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر .. لماذا لم تمنعهم عن ذلك الضلال ؟
فبكي هارون عليه السلام وكان هيناً ليناً فقال لأخيه في رفق : قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي .. طه 94
وأخبره أنه حاول أن يرجعهم عن عبادة العجل ولكنهم لم يستمعوا لنصحه وكادوا أن يقتلوه .. وأوحي الله عز وجل إلي موسي بصدق هارون وبإعتداء بني إسرائيل عليه فهدأ
موسي عليه السلام قليلاً وتوجه إلي الله بالدعاء قائلاً : قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ .. الأعراف 151
توبة .. وندم
اتجه موسي عليه السلام إلي السامري الذي صنع العجل ، وقال له في عنف وشدة : قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ .. طه 95 ..
سأله عن سبب مافعله وماحمله علي أن يصنع عجلاً ويوسوس للناس بعبادته فقال السامري : ياموسي ، إن نفسي هي التي سولت لي ذلك . ثم شرح له كيف صنع العجل ،
فحكم عليه موسي عليه السلام الأ يكلمه أحد ولا يكلم أحداً ولا يمسه أحد ولا يمس أحداً .. ودعا عليه قائلاً :قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ .. طه 97
ثم اتجه موسي إلي العجل وقال للسامري : وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ..طه 97
ثم حرق موسي عليه السلام ذلك العجل ، وألقاه فى البحر ثم اتجه إلي بني إسرائيل وقال لهم : إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا .. طه 98
وعلم بنو إسرائيل أنهم وقعوا فى أكبر ذنب ، وأشركوا بالله فندموا ندماً شديداً وتابوا إلي الله وطلبوا من موسي أن يدعو الله أن يتقبل توبتهم ، ويغفر لهم ، فدعا موسي عليه السلام
ربه أن يتوب عليهم فأوحي الله عز وجل إليه أن قبول توبتهم بأن يقتل كل من عبد العجل ، فأخبر موسي عليه السلام قومه بذلك قائلاً :
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .. البقرة 54
وبالفعل .. قام المؤمنون من بني إسرائيل ذات ليلة وقتلوا كل من عبد العجل من دون الله ..
جاء بنو إسرائيل إلي مصر منذ عهد نبي الله يوسف عليه السلام فهم إخوته الذين عاشوا فى مصر وأنجبوا ذرية كبيرة وكثر أبناؤهم وأحفادهم ولكنهم تركوا ما كان عليه أجدادهم
من التقوي والصلاح وأكثروا الفساد والفجور فغضب عليهم فرعون مصر فأخذ منهم الأراضي التي امتلكوها واستعملهم فى الأعمال الحقيرة وجعلهم عبيداً وجواري عند المصريين
فكان المصريون يسومونهم سوء العذاب ويستعبدونهم ويعاملونهم بسخرية واحتقار ..
ثم رأي فرعون رؤيا أفزعته وهي أن ناراً جاءت من ناحية بيت المقدس وحرقت مصر ففسر له الكهنة الرؤيا بأنه سيولد فى بني إسرائيل غلام يكون هلاك فرعون وضياع ملكه علي
يديه .. فأمر بقتل كل ذكر يولد فى بني إسرائيل ثم تراجع عن القرار بعد أن قل ذكور بني إسرائيل .. فأمر أن يقتلوا عاماً ويتركوا عاماً فولد هارون عليه السلام فى عام
المسامحة .. بينما ولد موسي عليه السلام فى عام القتل .. فخافت عليه أمه فوضعته فى صندوق وألقته فى النهر .. فحمله النهر إلي قصر فرعون .. فأخذته
السيدة آسية زوجة فرعون .. واعتنت به .. ولكنها لم تجد له مرضعة فدلتهم أخته علي من ترضعه فجاءت أمه وأرضعته دون أن يعرفها أحد وتربي موسي بعد سنين
الرضاعة فى قصر فرعون مع السيدة آسية حتي صار شاباً قوياً و ذات يوم رأي موسي رجلين يتشاجران رجل من بني إسرائيل وآخر مصري فاستغاث به الإسرائيلي فوكز موسي
عليه السلام المصري ، فوقع فمات .. فاستغفر موسي ربه وندم علي هذا القتل الخطأ وعرف المصريون أن موسي هو الذي فعل ذلك فأرادوا أن يمسكوه ليعاقبوه ففر موسي
عليه السلام إلي مدين .. وهناك وجد فتاتين تريدان أن تسقيا أغنامهما .. فسقي لهما ..فأكرمه والد الفتاتين وزوجه إحداهما وظل موسي عنده عشر سنوات ثم خرج
بأهله من مدين إلي مصر وأثناء الطريق نزل عليه الوحي عند جبل الطور .. وجعله الله عز وجل نبياً ورسولاً إلي بني إسرائيل .. وجعل معه أخاه هارون نبياً .. فعاد
موسي إلي مصر .. وذهب هو وهارون إلي فرعون ، ودعاه إلي الله وطلبا منه ان يترك بني إسرائيل .. ولكن فرعون رفض أن يستجيب وراح يحارب موسي عليه السلام
وزاد فى تعذيب بني إسرائيل واستعبادهم ..
هلاك الظالمين
لم يؤمن فرعون برسالة كليم الله موسي عليه السلام ولم يقتنع بالمعجزات التي معه ، فعندما رأي عصا موسي تتحول ثعباناً ويده تخرج بيضاء للناظرين ادعي أن موسي ساحر ،
وأحضر السحرة ، فجاء السحرة بالعصي والحبال وألقوها فسحروا أعين الناس فألقي موسي عصاه فابتلعت كل العصي والحبال فآمن السحرة كلهم .. فعذبهم فرعون ،
وصلبهم وقتلهم وأكثر من تعذيب كل من آمن من بني إسرائيل فدعا موسي عليه السلام علي فرعون وقومه فأرسل الله عز وجل عليهم الجراد والقمل والضفادع وجعل ماءهم دماً
وماتت الزروع والمواشي وأرسل الله عز وجل عليهم طوفاناً أغرق بيوتهم وقصورهم ورغم ذلك لم يؤمن فرعون وقومه .. وادعي فرعون الألوهية ، وقال : أنا ربكم الأعلي
فأمر الله عز وجل موسي عليه السلام أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً من مصر فجمع موسي عليه السلام بني إسرائيل واستعدوا للخروج من مصر ، دون أن يشعر أحد ، فحمل بنو
إسرائيل أمتعتهم وما استطاعوا جمعه من الحلي والجواهر من المصرين وأسرعوا فى سيرهم خوفاً من فرعون وجنوده واتجهوا إلي الصحراء الشرقية نحو البحر الأحمر ..
وفى الصباح علم فرعون فاشتد غيظه وجمع جنوده وخرج بهم خلف بني إسرائيل فلما رأي بنو إسرائيل فرعون يقترب منهم خافوا خوفاً شديداً وقالوا : ياموسي لقد خدعتنا لقد
تسببت فى هلاكنا أخرجتنا من مصر وزعمت أنك ستنقذنا من فرعون وهاهو فرعون يلحق بنا .. إِنَّا لَمُدْرَكُونَ .. الشعراء 61 .. فقال موسي :قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ .. الشعراء 62 .
وراح يأمر قومه بالصبر والثقة بالله ولكنهم كانوا يزدادون خوفاً كلما اقترب منهم فرعون فجاء الأمر من الله لموسي أن يضرب بعصاه البحر ففعل فانشق فى البحر طريقاً يابساً
فعبر بنو إسرائيل فلما وصل فرعون ظن الطريق ممهداً فسار خلفهم فلما كان وسط البحر أمر الله عز وجل الماء أن يرجع كما كان فعاد البحر مرة ثانية وغرق فرعون وجنوده
واهلك الله عز وجل الظالمين .. ونجي الله موسي ومن خرج معه من بني إسرائيل .
الجهل الكبير
بعدما أغرق الله فرعون .. كان بنو إسرائيل قد وصلوا الشاطئ الآخر وقد فرحوا فرحاً كبيراً وحمدوا الله أن نجاهم من العذاب والاضطهاد وأهلك فرعون وجنوده
وسار بنو إسرائيل مع موسي عليه السلام فى الصحراء متجهين إلي جبل الطور الذي كلم الله عز وجل موسي عنده أول مرة .. وفى هذه الصحراء لم يجد بنو إسرائيل ماء ولا
نباتاً ولا طعاماً وقد جاعوا وعطشوا فطلبوا من موسي أن يحضر لهم ماء وقالوا : ياموسي أين الماء أخرجتنا من مصر لتهلكنا عطشاً فى هذه الصحراء .. فدعا موسي
عليه السلام ربه أن يرزقهم الماء والطعام فأوحي الله عز وجل إلي موسي ان يضرب بعصاه حجراً أمامهم فى الصحراء ، فضربه موسي بالعصا فانفجر منه ماء عذب سلسبيل خرج
لهم من الحجر اثنا عشر عيناً بعدد قبائل بني إسرائيل آنذاك .. فشربوا من ذلك الماء .. كما أرسل الله إليهم طعاماً عظيماً حيث أنزل عليهم طيور السمان وعسلاً حلواً من
السماء يأكلون منه دون تعب أو مشقة قال تعالي : وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. البقرة..57
وقال تعالي : وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ... البقرة 60
فاكل بنو إسرائيل وشربوا .. ولكنهم بعد قليل سئموا من ذلك وطلبوا أن يأكلوا عدساً وفولاً وبصلاً وثوماً فتعجب موسي من أمرهم وأخبرهم أن ذلك يكون فى الأرض فليذهبوا
إلي أي مكان يزرعونه ليتحقق لهم ماطلبوا ثم مر بنو إسرائيل فى طريقهم علي جماعة مشركة حيث رأوا بعض الناس يعبدون أصناماً لهم فلم ينكروا عليهم مايفعلون بل قالوا :
ياموسي نريد أن يكون لنا إله كما لهؤلاء آلهة فتعجب موسي من أمرهم واندهش من شدة جهلهم وحمقهم ، وغضب وقال : يابني إسرائيل أنتم قوم تجهلون كيف تريدون أن أجعل لكم
صنماً تعبدونه وقد جئتكم لتعبدوا الله وحده وأخذ موسي عليه السلام يوبخهم ويذكرهم بنعم الله الكثيرة عليهم كما أوضح لهم حقيقة شرك وكفر هؤلاء فقال :
إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ .. الأعراف 139
الموعد المرتقب
أوحي الله عز وجل إلي موسي عليه السلام أن يأتيه عند جبل الطور ليكلمه فسعد موسي بذلك سعادة كبيرة حيث كان يفرح دائماً بلقاء الله عز وجل وراح موسي عليه السلام يترقب
ذلك الموعد ويهيئ نفسه لهذا الأمر العظيم .. فأكثر من العبادة والتفكر فى ملكوت الله عز وجل وقدرته .. وجمع قومه وقال لهم : يابني إسرائيل إني ذاهب إلي ربي
أتعبد وحدي علي جبل الطور أصلي لله وأناجيه .. فقد وعدني الله أن يعطيني ألواحاً فيها هدي ونور ، وفيها الحلال الذي يحب أن نفعله والحرام الذي يأمرنا أن نبتعد عنه .
ثم تقدم موسي عليه السلام إلي أخيه هارون وأوصاه ببني إسرائيل خيراً وطلب منه أن يحافظ علي إيمانهم وألا يحدث بينهم شيئاً يشتت جمعهم أو يفرق شملهم ، وقال له : ياهارون
إني ذاهب إلي ربي وأنت خليفتي فى بني إسرائيل لابد أن ترعاهم وتلاحظهم وتذكرهم دائماً بنعم الله ..
ثم ترك موسي عليه السلام بني إسرائيل واتجه إلي جبل الطور وقلبه فرح سعيد فهو ذاهب إلي لقاء الله تبارك وتعالي ..
غواية ..وضلال
بعدما ذهب موسي عليه السلام للقاء الله عز وجل قام رجل من بني إسرائيل اسمه السامري لبعض بني إسرائيل : مارأيكم أن نصنع لنا إلهاً نعبده ..؟
فقالوا : فكرة عظيمة .. فقال السامري : وسيكون إلهنا غالياً جداً سنصنعه من الذهب الخالص ذلك الذهب الذي خرجنا به من مصر ..
فاستحسنوا الفكرة وأشعلوا ناراً ثم جمعوا الذهب الذي معهم وألقوه في النار حتي انصهر وذاب ثم قام السامري يصنع من ذلك الذهب المذاب تمثالاً علي صورة عجل .. فصنع
رأسه ثم عنقه ثم جسمه ثم أرجله وأخذ يسويه ويعدل فيه حتي صنع تمثالاً مجوفاً علي صورة عجل .. ثم وجهه فى اتجاه الريح .. بحيث إذا هبت الريح خرج منه صوت
يشبه صوت العجل الحقيقي .. ثم قام السامري بغسله من التراب والغبار .. فلمع التمثال وانعكست عليه أشعة الشمس ، فزاد لمعانه وفرح به بنو إسرائيل وفرح السامري
وقال لهم : يابني اسرائيل هذا هو إلهكم ، وهو إله موسي ولكن موسي نسيه هنا دون أن يدري أو يعلم .. فالتف جماعة من بني إسرائيل حول العجل يصفقون ويهللون وينحون
له ويركعون ويسجدون ويتقربون إليه فى خشوع وخضوع ..
وحاول هارون عليه السلام وبعض المؤمنين معه من بني إسرائيل منع الناس عن عبادة ذلك العجل ..وأخذ هارون عليه السلام يبين لهم أن هذا صنم لا ينفع ولا يضر .. وأن
إلههم هو الله الواحد الأحد ..وأخذ يذكرهم بنعم الله عليهم ، وبالمعجزات التي أيدهم الله بها وأعطاهم إياها .. ويأمرهم أن يثبتوا علي عقيدة التوحيد وألا يشركوا بالله شيئاً
وأن مافعله السامري فتنة يجب أن يبتعدوا عنها ، وقال لهم : وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ..طه 90
ولكن الكثيرين من بني إسرائيل أصروا علي عبادة العجل وسخروا من هارون ، بل وطلب بعضهم من هارون أن يعبده معهم وهددوا هارون بالقتل إن لم يتركهم يعبدون العجل
وقالوا فى تبجح : سنظل نعبد هذا العجل حتي يرجع إلينا موسي . فلم يستطع هارون أن يفعل معهم شيئاً ، وخشي أن يفرق بينهم فسكت واعتزلهم هو ومن معه من المؤمنين
وتركوهم فى غوايتهم وضلالهم ..
موسي فى جبل الطور
فى جبل الطور كلم الله عز وجل موسي عليه السلام وطلب موسي أن ينظر إلي الله ، فأخبره الله عز وجل بأنه لن يراه وأمره أن ينظر إلي الجبل .. فنظر .. فإذا الجبل قد
تزلزل زلزالاً عنيفاً فارتعد موسي ووقع مغشياً عليه وبقي مدة طويلة ثم ناداه الله عز وجل فأفاق واستغفر الله عز وجل قال تعالي :
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ .. الأعراف 143 .
ثم تلقي موسي عليه السلام التشريعات الإلهية التي سيسير عليها بنو إسرائيل فى حياتهم وكتبها فى ألواح .
وفى نهاية المناجاة أخبر الله عز وجل موسي عليه السلام بقصة عجل السامري وأخبره أن السامري قد صنع عجلاً من الذهب لبني إسرائيل وأشاع فيهم أنه إله فعبدوه من دون الله
وبعد أن انتهت المناجاة بين الله عز وجل وكليمه موسي عليه السلام أخذ موسي الألواح التي فيها التشريعات الإلهية وعاد إلي بني إسرائيل وهو غضبان وقد حزن أشد الحزن لما
فعله قومه فلما وصل إليهم ألقي الألواح علي الأرض من شدة الغضب وقال لقومه : بئسما خلفتموني من بعدي اغيب عنكم .. أكلم الله والله يكلمني .. ويعطيني الألواح
من أجلكم .. ثم تتركونه وتعبدون العجل ، ألم يعدكم الله بالنصر ودخول الأرض المقدسة ؟ أطال عليكم العهد أم صنعتم ذلك لينزل الله غضبه وعقابه عليكم ..؟
فأخبروه أن السامري هو الذي غواهم وضللهم ..
لوم.. وعتاب
اشتد غضب موسي عليه السلام .. واتجه إلي أخيه هارون عليه السلام وقبض علي لحيته بإحدي يديه .. وأمسك رأسه باليد الأخري وأخذ يهزه هزاً عنيفاً وقال له :
ياهارون لقد ضللت السبيل كيف تتركهم يعبدون العجل .. كيف تتركهم يسجدون ويركعون لصنم لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر .. لماذا لم تمنعهم عن ذلك الضلال ؟
فبكي هارون عليه السلام وكان هيناً ليناً فقال لأخيه في رفق : قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي .. طه 94
وأخبره أنه حاول أن يرجعهم عن عبادة العجل ولكنهم لم يستمعوا لنصحه وكادوا أن يقتلوه .. وأوحي الله عز وجل إلي موسي بصدق هارون وبإعتداء بني إسرائيل عليه فهدأ
موسي عليه السلام قليلاً وتوجه إلي الله بالدعاء قائلاً : قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ .. الأعراف 151
توبة .. وندم
اتجه موسي عليه السلام إلي السامري الذي صنع العجل ، وقال له في عنف وشدة : قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ .. طه 95 ..
سأله عن سبب مافعله وماحمله علي أن يصنع عجلاً ويوسوس للناس بعبادته فقال السامري : ياموسي ، إن نفسي هي التي سولت لي ذلك . ثم شرح له كيف صنع العجل ،
فحكم عليه موسي عليه السلام الأ يكلمه أحد ولا يكلم أحداً ولا يمسه أحد ولا يمس أحداً .. ودعا عليه قائلاً :قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ .. طه 97
ثم اتجه موسي إلي العجل وقال للسامري : وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ..طه 97
ثم حرق موسي عليه السلام ذلك العجل ، وألقاه فى البحر ثم اتجه إلي بني إسرائيل وقال لهم : إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا .. طه 98
وعلم بنو إسرائيل أنهم وقعوا فى أكبر ذنب ، وأشركوا بالله فندموا ندماً شديداً وتابوا إلي الله وطلبوا من موسي أن يدعو الله أن يتقبل توبتهم ، ويغفر لهم ، فدعا موسي عليه السلام
ربه أن يتوب عليهم فأوحي الله عز وجل إليه أن قبول توبتهم بأن يقتل كل من عبد العجل ، فأخبر موسي عليه السلام قومه بذلك قائلاً :
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .. البقرة 54
وبالفعل .. قام المؤمنون من بني إسرائيل ذات ليلة وقتلوا كل من عبد العجل من دون الله ..